للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منطقة البلاط (بلاط الملك غازي) ونحن لا نشعر. فماذا جرى لنا؟ ماذا جرى لمّا أنذرَنا الجندي فما انتبهنا إلا وهو مقبل علينا، بندقيته موجَّهة إلينا وسِنانها في رأسها في صدورنا؟

ما تفصيل ما جرى؟ صدقوني إن قلت لكم إنني لا أدري! هل نسيت؟ لا، ولكنني كنت أروي القصة فأزيد فيها، أملّحها وأفَلْفِلها وأزيّنها بالصور الأدبية، فيأخذ أنور ما رويت فيزيد عليه ويفلفله ويملّحه، ثم أعود أنا إلى ما قال فأصوغه صياغة أخرى، حتى إنني لم أعد أعرف ماذا جرى لنا بالضبط. الذي أعرفه هو الطبعة الأخيرة من هذه الحادثة التي تحولت من حادثة واقعة إلى قصة أدبية (١).

وكذلك جرى في قصة استشهاد الحسين رضي الله عنه.

هذه حادثة عادية لناس عاديين، تبادلنا روايتها أنا وأنور رحمه الله في مدة قصيرة، فضاعت الحقيقة حتى ما عدت أعرفها وأنا صاحبها! فكيف بالحادث العظيم، حادث مقتل الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تعاورته الألسنة والأقلام والأخْيِلَة والقرائح على مدى أربعة عشر قرناً؟ كلٌّ يجرب فيه مَلَكته ويُدخِل فيه خياله، حتى لم تبقَ صورة من الصور التي تُهيج الأسى وتثير الشجَن وتستمطر الدمع إلا حُشِدت فوُضِعت هنا، ولا أخرى فيها الظلم وفيها القسوة وفيها الوحشية وفيها النذالة إلا جُمِعت فوُضِعت هناك!

حتى لو أن الذين كانوا هنا هم نيرون وجنكيز (أو من هم شر


(١) انظر تفصيل هذه القصة في الحلقة الآتية (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>