للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عملاق إن وقفت إلى جانبه وصل رأسي ما فوق خصره بقليل، حتى إني كنت أسأله عن الضغط الجوي في الأفق العالي الذي يصل رأسه إليه! ولكنه كان -مع هذا الطول والعرض والارتفاع- طيب القلب رضيّ الخُلُق ساذجاً يصدّق كل ما يُلقى إليه، اسمه عبد الله عادي. وصدق من سماه؛ فهو عاديّ الخَلْق كأنه من بقايا قوم عاد الذين كانوا بالأحقاف (بالربع الخالي) الذي لم يكن على أيامهم خالياً بل كان حالياً بالنبات عامراً بالبنيان. وطالبان آخران، سني وشيعي.

واستشهاد الحسين مأساة لا أجد وصفاً لها أصدق من قولي إنها «فظيعة». ومرة أخرى أقول للتأكيد إنها فظيعة، ولكن الشعراء والأدباء على مدى هذه القرون الطويلة سخّروا قرائحهم وألسنتهم وأقلامهم للعمل على زيادة فظاعتها وعلى توضيح صورتها وعلى تعميق أثرها: جعلوا منها موضوعاً أدبياً لا ينضب معينه، فأغنوا بذلك الأدب ولكنهم أضاعوا الحقيقة.

هل أضرب لكم مثلاً كيف يضيع الأدب الحقيقة؟ في تلك الأيام التي أتكلم عنها كنا أنا وأنور نمشي إلى كل مكان، تارة وحدنا وتارة مع بعض الطلاب. ذهبنا إلى الجُعَيفر في جهة الكَرْخ وإلى الكَرّادة وإلى المطار، وذهبنا مرة نشاهد مباراة مع جند الإنكليز في سن الذبّان عند الحَبّانية، وكنا نذهب إلى الرُّستُميّة حيث كان يدرّس أخونا الأستاذ مظهر العظمة رحمه الله.

فذهبنا يوماً من الأعظمية إلى بغداد مشياً على الأقدام، ولكنا تركنا الطريق وسرنا بحذاء الشطّ بين البساتين حتى دخلنا

<<  <  ج: ص:  >  >>