للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبوتَمّام والبحتري وأصحابهما، فكنت أشرح لهم هذه الأبيات شرحاً أظنّ أنه كان جديداً، وكنت أراهم يُصغون إليّ ويتلذّذون به. هاكم مثالاً من شرحي لهم قصيدة أبي تمام التي وصف فيها حريق عمورية:

لقد تركتَ -أميرَ المؤمنينَ- بها ... للنّارِ يوماً ذليلَ الصّخرِ والخَشَبِ

غادرتَ فيها بَهيمَ الليلِ وهْوَ ضُحىً ... يَشُلُّهُ وسْطَها صُبحٌ منَ اللهَبِ

حتى كأنّ جَلابيبَ الدُّجى رَغِبَتْ ... عن لونِها، أو كأنَّ الشمسَ لمْ تَغِبِ

ضَوءٌ من النّارِ والظَّلْماءُ عاكفةٌ ... وظُلمةٌ مِن دُخانٍ في ضُحىً شَحِبِ

فالشمسُ طالعةٌ من ذا وقد أفَلَتْ ... والشمسُ واجبةٌ من ذا ولم تَجِبِ

أمعنوا النظر في هذا الوصف: إنه مجموعة صور متعاقبة، كلّما استقرّ ذهن السامع على واحدة منها نقله إلى أخرى. فالصورة الأولى أن النار جعلت الصخر والخشب ذليلاً، والثانية أن الخليفة غادر فيها الليل الأسود وهو ضُحى، لكن إياك أن تظنّ أن الليل قد انتهى وأن الصبح قد طلع، لأن الليل ما طلع عليه الصبح الحقيقي ولكنه صبح من لهب النار. ثم نقله إلى صورة أخرى، قال: لا، لا، وإنما خلع الليلُ ثيابَه السود ورغب عنها وكرهها، هذه الصورة الجديدة. ثم قال: بل إن الشمس لم تغِب. فإذا كانت

<<  <  ج: ص:  >  >>