للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشمس لم تغِب فالنهار باقٍ والضوء موجود! ثم رجع يقول: إنه ضوء من النار لا من الشمس، والظلماء باقية. ظلام الليل باقٍ ولكن هذا الضوء الذي حسبته نهاراً هو ضوء النار! ثم رجع فقال: لا، الظلمة ظلمة الدخان ولهب النار ضُحىً شاحبُ اللون.

فماذا جرى لذهن السامع؟ لم يعُد يدري: أهو ليل أم نهار؟ فقال له: الشمس طالعة. إذن فهو نهار. قال: لا، طالعة من ذا، من النار، والشمس الحقيقية قد أفَلَت وغابت. قلنا: طيب، إذن الشمس غائبة واجبة. قال: لا، الشمس واجبة من ذا، أي من الدخان، والشمس الحقيقية لم تغب.

إن مثل أبي تَمّام هنا مثل ساحر السيرك الذي يُخرِج من أُذنه مناديل لا تنتهي، أو يُخرِج من طرف فمه أعداداً من بيض الدجاج! حِيَل وألاعيب لا يفهم منها السامع أين كان هذا الحريق، وما مداه، وما الذي احترق؟ إن هذا الوصف ينطبق على حريق في الخيام في البادية، وعلى حريق في مصفاة النفط (البترول)، وعلى حريق في حارة من حارات البلد ... وشرحت لهم هنا أنواع الوصف الواقعي منه والخيالي، وذكرت بعض الوُصّاف من الشعراء.

* * *

وكان عندنا قصائد فيها وصف للطبيعة، فعلّمت الطلاب أن وصف الطبيعة عند الشعراء على مراتب ثلاث.

أدناها: أن يراها الشاعر متحفاً، فهو يصف ما يراه فيه ويزين وصفه بالتشابيه والاستعارات والزخارف والمحسِّنات، وأدبنا قد

<<  <  ج: ص:  >  >>