للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلغ في هذا الغاية. لقد استحسنوا من الشاعر الفرنسي أن يشبّه البدر يبدو من فوق برج الكنيسة في القرية كأنه نقطة فوق حرف الياء (i)، وهذا كحصى الشاطئ بالنسبة لما عند شعرائنا من لآلئ الأعماق.

والمرتبة الوُسطى: أن يرى الطبيعة مرآة تتجلّى فيها حالة نفسه وعوارض مزاجه، فإن كان مسروراً رأى الدنيا متلألئة تلبس ثوباً من الضياء، كمن ينظر من زجاجة صفراء بلون الذهب أو حمراء مثل الشفق، وإن كان حزيناً رآها مظلمة كابية كمن يرى الدنيا بنظارة سوداء.

وهذا قليل في أدبنا كثير في أدب غيرنا. هذا لامارتين وصف البحيرة وهو مع مَن يُحبّ، ثم وصفها بعد موتها في قصيدته المشهورة التي ترجمها إلياس فياض شعراً فقال:

أهكذا تنقضي دَوماً أمانينا؟ ... نطوي الحياةَ وليلُ الموتِ يَطوينا

تَمضي بنا سفُنُ الأيامِ ماخرةً ... بحرَ الوجودِ ولا نُلقي مراسينا

يا دهرُ قِفْ فحرامٌ أن تطيرَ بنا ... منْ قبلِ أنْ ... نتملّى من أمانينا

وإذا كان امرؤ القيس أول من وقف واستوقف، استوقف الركب على أطلال دار المحبوب، فإن لامارتين استوقف الزمان لمن كان في نعمة وأمان، واستعجله على من كان في عذاب وهوان. ثم جاء بشارة الخوري بما لم يأتِ بمثله لامارتين، فقال في شعره الذي يُتغنّى به:

وجعلنا الزمنا ... قطرةً في كأسِنا

والزّمانُ ماضٍ في طريقه، لا يقف ولا يستعجل، ولا يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>