وأعلاها: أن يُفيض الشاعر الحياة على الطبيعة؛ فتحسّ وتشعر كما يحسّ الأحياء ويشعرون، وتفرح وتتألّم، وتفكّر وتَعتبر. وفي ذلك لمحات كثيرة جاءت في الشعر العربي، منها مقال البحتري في وصف البِرْكة (بركة المتوكّل):
ما بالُ دجلةَ كالغَيْرى تنافسُها ... في الحسنِ طَوراً، وأطواراً تباهيها؟
فجعلها تغار وتُباهي كما يصنع الأحياء من الناس. وأكملُ مثال على هذا أعرفه في الأدب العربي قصيدة «الجبل» لابن خفاجة الأندلسي: الجبل الشيخ الوقور الذي كوّر عمامته وكبّرها وقعد على ظهر الفلاة يفكّر في عواقب الأمور، ويقول إنه كان ملجأ للعابد الأوّاب وللجاني الهارب ومَن أضاعوا العمر في غفلة، تشغلهم متعة المنظر عن غاية السفر وألوان الممرّ عن أمان المستقرّ، ثم يمضي هؤلاء وأولئك ويبقى الجبل وحده يفكّر في أحوالهم ويسأل عن مآلهم. قال: