للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس فيه، وأشرح ما أجيء به من الشواهد. وشُدِه (١) وتركني أتكلّم عشر دقائق أو ربع ساعة، كانت عيناه فيها مفتوحتين وشفتاه متباعدتين وحاجباه مرتفعَين، هيئةَ المدهوش الذي فاجأه ما لم يكن يتوقع. حتّى إذا وقفتُ وقفة تنبّه فيها ممّا كان فيه، وقال: مَن أنت وما اسمك؟ قلت: علي الطنطاوي.

وأنا أدع للقرّاء أن يتصوروا أثر ذلك في نفسه بعد الذي قاله عني والذي سمعه مني. وخرج الطلاّب يتحدثون بذلك، وشاع في البلد، فكانت نكتة تُروى كما كان ذلك دعاية لي.

* * *

وسرتُ مع طلاّب البصرة سيرتي مع طلاّب بغداد؛ كنت أمْحَضهم النصح وأُخلص معهم العمل وأريد لهم الفائدة، وكنت -لوفرة ما كان لديّ يومئذ من معارف- أحرص على أن أنقل إليهم معارفي كلها، فعاد إليّ دائي القديم الذي لا يزال ملازمي إلى اليوم، في خطبي ودروسي وأحاديثي في الإذاعة وفي الرائي، وهو الاستطراد. تُذكّرني المسألة بأختها أو بابنة عمّها، فأكره أن أستأثر بها وألاّ أشارك السامعين فيها، فينقطع مني الخيط الذي يربط حبّات الموضوع. وأحياناً أستطرد فينتهي الاستطراد وأنسى الموضوع الأصلي، وهذا جدّ معي الآن بعدما كبرت، ولم يكن


(١) شُدِه من الأفعال التي تأتي مبنيّة للمجهول، مثلها مثل اضطُرّ وجُنّ واستُهتر. وعندي رسالة اسمها «إتحاف الفاضل فيما بُني لغير الفاعل» جمع فيها طائفة منها. فإن ذُكر الفاعل قلنا اضطَرّ بفتح الطاء: {ثمّ نَضْطَرُّهم إلى عذابِ الجَحيمِ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>