للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما هذه الأنهار؟ وأين تجري؟ فعرفت لمّا رأيت هذه الأقنية ماذا كانت تلك الأنهار.

وأقول -بالمناسبة- إنه كان في العراق قديماً نظام للريّ ما كان له نظير، حتّى إن لجنة من الخبراء أيام الإنكليز درست هذا النظام وكتبت عنه تقريراً نُشِر في ذلك الوقت، وبلغ عجب اللجنة بهذا النظام والإعجاب به الغاية. ولقد ازدادت الأنهار في الماضي حتّى صارت نوعاً من الترف، وحتى قال داود بن علي في خطبته المشهورة: إننا ما خرجنا لنحفر نهراً ولا لنبني قصراً (١).

«أبو الخصيب» هي الأُبُلّة، وهي أقدم من البصرة لأنها كانت قبل الفتح الإسلامي قاعدة عسكرية فارسية، والبصرة بُنيت بعدها على عهد عمر رضي الله عنه. وأبو الخصيب فيها أكثر من مئة نوع من التمر، أي مثل عدد أنواع العنب في الشام، ومنه شيء رأيناه كما قال ابن الرومي: «كأنه مَقامع البلّور»، شفّاف مُلئ عسلاً مصفّى تبدو نواته ظاهرة من خلاله، وهذا الذي أقوله حقيقة لا مجاز.

وأكثر هذه الأقنية والأنهار تمشي فيه الزوارق الصغار، أما


(١) خطبة داود بن علي بن عبد الله بن العباس التي خطبها بمكة في أول موسم حج بعد تغلّب العباسيين، قال في أولها: "شكراً شكراً، إنّا والله ما خرجنا لنحفر فيكم نهراً ولا لنبني فيكم قصراً، أَظَنّ عدوُّالله أن لن نقدر عليه حتى عثر في فضل زمامه؟ فالآن حيث أخذ القوسَ باريها ورجع المُلكُ في نصابه في أهل بيت النبوة والرحمة"، إلخ. وهي في «العقد الفريد» و «الكامل» للمبرّد وسواهما من مصادر الأدب (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>