للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القناة الكبرى بين العشار والبصرة ففيها زوارق دقيقة طويلة مكسوّة مقاعدها بالقماش الأبيض النظيف، تتمايل على ماء القناة مثل العروس يوم جلوتها، ليس بين ما يركبه الناس من مراكب شيء أمتع منها.

ومن غرائب الإنكليز (وليس هذا غريباً عند ذوي الأمزجة الشعرية) أنّ أحد زملائنا المدرّسين منهم لمّا جاءت عطلة نصف السنة استأجر زورقاً من بغداد، زورقاً نظيفاً أنيقاً مريحاً، وقعد فيه وتركه يسير مع الماء من بغداد إلى البصرة، فأمضى أيام العطلة مضطجعاً يتأمّل الضفتين، يقرأ في كتابه أو في كتاب الطبيعة التي طبعها الله ويفكّر، حتّى بلغ البصرة عند بلوغ العطلة نهايتها!

ولعلّ لياقوت الحُجّة حين قرّر أن متنزّهات الدنيا أربعة، هي: غوطة دمشق، والأبُلّة التي حَفر نهرها -كما قالوا- زياد أيام ولايته العراق، وشعب بَوّان. وقد نسيت الرابع (١). والغوطة أجملها لو كان فيها ماء، لكن أنهرها قد انقطع أكثرها لمّا سحبوا ماءها إلى بيوت دمشق، كما كانت الحال في مَرّ الظهران (أي وادي فاطمة). ولكن نابت عنها الآبار عليها المضخّات الكِبار، تُخرِج الماء ينابيع فوّارة وتُجريه سواقي غزيرة.

وماء البصرة كله من شطّ العرب، فهو المنظر العجب؛ بحرٌ ماؤه حلو وشواطئه جِنان تجري فيه البواخر الكبار. لكن ربان الباخرة يرفع يده عن قيادتها ويدع أمرها لناس من أهل البلد


(١) هو صُغد سمرقند. وانظر ما سبق من إشارة إلى هذه المتنزّهات في الحلقة التاسعة والخمسين من هذه الذكريات (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>