سفيهاً طويل اللسان عالي الصوت، ولكنا كنّا (والحقّ يقال) أشدّ سفهاً وأطول لساناً وأعلى صوتاً فغلبناه. وكيف لا، وأنا أحفظ نصف ما قال الشعراء في فنّ الهجاء؟!
* * *
كانت بيروت في تلك الأيام سابقة البلاد العربية بعد مصر في مجال الفكر والأدب، فيها الصحف والمجلاّت وفيها المدارس الكثيرة والجامعات، الجامعة الأميركية والجامعة اليسوعية، وهما تتباعدان في المسار ولكنهما تتّحدّان في الغاية، هذه تُدخل جهنم من الباب الجنوبي وهذه من الباب الشمالي، وما بعد البابين إلاّ النار.
وكان عملهما للتبشير وللاستعمار كما جاء في كتاب الدكتور فروخ والدكتور الخالدي. وكلمة التبشير والاستعمار تعنيان التنصير والتكفير والاستخراب والدمار، وهما من ألفاظ الأضداد، كما يُسمّى الملدوغ «السليم» والأعمى «البصير».
وكان بين الكلّية الشرعية وبين مدرسة المقاصد شيء من المنافسة، فجاء مرّة وفد من مصر على رأسه أحد كبار رجال التعليم (أظنه العشماوي باشا) فزار المقاصد فاحتفوا به وصفّوا الطلاّب لاستقباله ودقّوا له الموسيقى ونصبوا له الموائد، ثم جاء يزورنا، فألقيت كلمة هدمت عليهم بها ما بنوا؛ قلت فيها: لا تؤاخذنا إن لم نطبّل لقدومك ولم نزمّر ولم نرفع الرايات، فما عندنا هنا إلاّ العِلم، فإن أردتَه خالصاً فمرحباً بك في دار العلم، في دارك، وإن شئت طبلاً وزمراً فإنك واجده هناك.