للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خروجنا لاستقبال المفوَّض السامي الجديد. المفوَّض السامي كانت له سلطة حكومة سوريا ولبنان معاً ومجلسَيهما النيابيَّين والإشراف على قضائهما، أي أن سلطانه أضخم من سلطان رئيسَي الجمهوريتين وحكومتيهما.

أتدرون ما الذي كان؟ أنا أرويه بلا تزيّد ولا مبالغة، أرويه وأنا أعجب والله منه. الذي كان أني ألقيت خطبة حماسية بصوت سمعه كل من في المدرسة، وسمعه جيرانها ومَن كان في المسجد أمامها، قلت فيه بأن الفرنسيين أعداء ديننا ووطننا وأنه لا يجوز أن نخرج لاستقبال زعيمهم.

ولست أذكر الآن ما قلت، وما كانت خطبة بليغة الأسلوب رائعة البيان، ولعله كان فيها أخطاء وكان فيها لحن؛ فقد كانت أول خطبة لي وكنت في الرابعة عشرة من عمري، في السنة السادسة الابتدائية، ولكنْ يظهر من آثارها أنها كانت خارجة من القلب وكانت ممتزجة بالصدق، لأن التلاميذ جميعاً ولأن نصف المعلمين رفضوا حضور الاستقبال.

وقد كانت العقوبات في المدرسة هي التنبيه فالتوبيخ، فالتكدير العلني فالطرد المؤقت من المدرسة، فالطرد الدائم. فعوقبت بالتكدير وكَسْر علامة الأخلاق والسلوك.

وكانت هذه هي الخطوة الأولى التي صعدت بها المنابر حتى لانت لي درجاتها وألِفَتني أعوادها، وصرت (ولا فخر) أُعَدّ إن عُدّ روّادها.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>