للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الشمال (كما يقول أصحابك الرياضيون) ووجدت من نفعها ما يعلّقك بها حتّى لا تفكّر في غيرها، فعليك بها. استقِ من هذا المورد الذي لا تجد مثله كلّ يوم، راجع وابحث واكتب وانشر، وعِشْ في هذه السماء العالية، ودَعْ مَن شاء يرتعْ في الأرض ويعِش على الجِيَف المعطرة.

غير أنك واجدٌ في ثنايا هذه الكتب التي كتبها القوم المستشرقون عن العربية والإسلام، وفي غضون هذه المحاضرات التي يُلقونها، عدواناً كثيراً على الحقّ وتبديلاً للواقع، فانتبه له، واقرأ ما تقرأ وأصغِ لما تسمع وعقلك في رأسك وإيمانك في صدرك. لا تأخذ كل ما يقولونه قضية مسلَّمة وحقيقة مقرّرة، فإن الحقّ هو الذي لا يكون باطلاً، ليس الحقّ ما كان قائله أوربّا. فانظر أبداً إلى ما قيل ودع مَن قال.

ثم إنك سترى مدينة كبيرة وشوارع وميادين ومصانع وعمارات، فلا يَهُولَنّك ما ترى ولا تحقر حياله نفسَك وبلدك كما يفعل أكثر من عرفنا من روّاد باريس. واعلم أنها إن تكن عظيمة وإن يكن أهلها متمدّنين فما أنت من مجاهل الأرض ولا أمّتك بسَفَلة الناس، وإنما أنت ابن المجد والحضارة، ابن الأساتذة الذين علّموا هؤلاء وجعلوهم ناساً، ابن الأمة التي لو حُذف اسمها من التاريخ لرجع تاريخ القرون الطويلة صحفاً بيضاً لا شيء فيها، إذ لم يكن في هذه القرون بشر يدوّن التاريخ تاريخه سواهم. فمَن هؤلاء الذين ترى؟ إنما هم أطفال، أبناء أربعة قرون، ولكن أمتك أخت الدهر، لمّا وُلد الدهر كانت شابة وستكون شابّة حين يموت الدهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>