للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيناً أن أدع عملي وأسرع إلى الشام، أو أن أجد لبلدي المعين الذي أستصرخه والأخ القوي الذي أستنصره. ولم يكن إلى جوارنا، بل لم يكن يومئذ في بلاد العرب كلها إلاّ دولة واحدة مستقلّة حقاً، ما فيها أجنبي يحكم ولا قانون أجنبي ينفَّذ، وهي المملكة، وقريب منها في استقلالها اليمن.

أمّا اليمن فبعيدة عني لم أزُرها ولا أعرفها. ولقد كنت من قريب (أي قبل أربع سنين) أجالس الملك العظيم الذي كان شيخ الجزيرة، بل كان ملجأ العرب كلهم، إليه يلجؤون وإلى حماه يسرعون، والذي إذا دُعي أجاب، الملك عبد العزيز. ولكن أين السبيل إليه والشدّة قد استحكمت في الشام حلقاتُها والوقت أضيَق من أن أضيّعه؟ وكانت في العرب دولتان مستقلّتان أخريان، استقلالاً ناقصاً غير كامل؛ ليس للأجنبي فيهما حكم ظاهر ولكن في كلّ فعل في البلدين «ضمير مستتر» يعود إليه، هما مصر والعراق. أما مصر فبعيدة، ولم يبقَ إلاّ العراق.

وكان الملك غازي شاباً، لا أعرفه. وكنت -على عادتي دائماً- منزوياً معتزلاً بعيداً عن أبواب الحُكّام، بل عمّن لم تستحكم بيني وبينه الألفة وترتفع تماماً الكلفة. ولكن ظهر لي ولغيري من الناس من بوادر حماسة غازي وعروبته في الأيام الأخيرة ما وجّه الأنظار إليه وجعل الأصابع تدلّ عليه، من يوم موقفه من الأشوريين في شمالي العراق. وكانت جريدة «البلاد» هي الجريدة الأولى في بغداد وكان لي معرفة بمحررها روفائيل بطي، فذهبت إليه أحدّثه فيما يملأ ذهني ويشغل فكري، فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>