للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمع الناس بعدها صوتاً ظاهراً، قدّروا أنه صوت غازي، يقول: لبيك لبيك.

* * *

ودُعي نفر من المدرّسين السوريين والعراقيين، وأُفهموا عن الملك غازي أنه يرغب في أن تقوم مظاهرة مؤيّدة للشعب العربي المسلم في الشام.

وأنا ابن دمشق بلد المظاهرات. وما كنّا نعرف أولاً ما هي المظاهرات حتّى دخلت علينا سنة ١٩١٩ جيوش العرب، وظنّ الناس أنه قد جاء معها الفرج وطلع الفجر الصادق بعد الليل الطويل، فانطلقَت الجماهير مثل انطلاق الجنّي الذي زعموا أنه كان محبوساً في القمقم (وكلمة القمقم فصيحة معرَّبة من القديم)، فكنّا نفيق صباحاً على ضجيج المظاهرات وهتافها وننام ليلاً على صخب المظاهرات وندائها. تلك كانت مظاهرات الفرح، فلما جاء الفرنسيون الواغلون علينا بعد ميسلون وجاءت معهم آفات الاستعمار الذي سَمّوه الانتداب، صارت مظاهرات الاحتجاج والألم.

عشت شطراً من حياتي من أواخر المدرسة الابتدائية سنة ١٣٣٨ إلى هذه المظاهرة سنة ١٣٥٨، فلم أرَ مثل هذه وما كنت أقدّر أني سأرى مثلها. خرجَت بغداد كلها إلى الشوارع، ولم يكن فيها إلاّ شارع الرشيد وشارع غازي (الذي شُقّ يومئذ حديثاً) وشوارع الصالحية في الكرخ، وكان عصبها الذي يحرّكها طلاّب المدارس.

<<  <  ج: ص:  >  >>