للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت مدرستنا متفوّقة بهتافها ونشيدها، حتّى جاء طلاّب مدرسة الكرخ بشيء غلبونا به: تجمّعوا دائرة يرقصون وهم يمشون ويقولون بنغمة موزونة عجيبة:

فرنسا وإنكلترا بالكُنْدَرة ... سوريا ولبنان فوق الثرا

يريدون بالكندرة الحذاء وبالثرا الثريّا. ويضربون بأحذيتهم مثل ضربات أهل الدبكة في الشام ولبنان، فقلّدهم الناس فصاروا يصنعون صنيعهم ويهتفون بمثل هتافهم، فكسبوا المباراة.

* * *

لقد كان يوماً لا يُنسى، ولكني أكتب عنه بعد ستّ وأربعين سنة، بعدما نسيت تفاصيل الأحداث وأفقدتني الأيام منها أجمل ما كان فيها.

في تلك السنة نقض الفرنسيون -كما قلت- المعاهدةَ التي لم تُعطِنا شيئاً يُذكَر، ومع ذلك بخلوا بما أعطوا منها! فاضطربت الأوضاع وهُتك القناع وظهر وجه الانتداب البشع، وعمّ الخلل البلاد، ونزلت قيمة الليرة السورية مقابل الليرة الذهبية (التي كانت هي ركن الاقتصاد السوري) من ٥٥٠ قرشاً سورياً (وهو السعر الذي ثبتت عليه سنين طوالاً) إلى٧٥٠ قرشاً. وهذا حديث حقه أن يودع كتب التاريخ لا صحائف ذكريات شخصية.

أختتم هذه الحلقة بحادثة وقعَت لي في ذلك اليوم، ولولا أن الله ستر لكانت فضيحة! ذلك أن طلاّباً جاؤوا بنعش قالوا إنه نعش سوريا التي قتلها الاستعمار، ووضعوه على سطح سيارة

<<  <  ج: ص:  >  >>