كان بطلاً وكان أميراً، وكانت له مزاياه، لولا أنه من الخوارج.
نجدة فتحي صفوت طالب ذكي حاد الذكاء، جادّ صادق الجدّ، وكان لا يكاد يفارقني؛ يكون معي يُصغي إليّ في غرفة الدرس، ويمشي معي بين الدروس، وربما صحبني في الطريق. ولمّا تركت بغداد بقي مدة طويلة يراسلني، ولمّا انقطعت «الرسالة» عن الشام أيام الحرب الثانية جمع الأعداد التي لم تُرسَل إلى الشام فبعث إليّ فهارسها لأعرف ما نُشر لي فيها. صار أديباً وصدرت له كتب، ثم ربطه السلك الخارجي، ثم تدرج في مناصب وزارة الخارجية، ثم انقطع عني خبره.
وقعت لي في هذه المدرسة حوادث صغار ولكنها عميقة الآثار، منها أني كنت يوماً أجتاز باحتها الواسعة خارجاً من محاضرة قاصداً إلقاء أخرى، وأنا أُمضي دائماً هذه الفسحة بين المحاضرات في الباحات لا أكاد ألج غرفة المدرّسين إلاّ نادراً، لأن الطلاّب يمشون معي يسألونني، وتتوالى الأسئلة والإجابات فتضيع هذه الفسحة بين المحاضرات.
أقول إني كنت يوماً أجتاز الباحة، فرأيت ركناً فيه مدرّب رياضي ألماني والطلاّب يتدرّبون على مبادئ الملاكمة، فلما رآني (وكنت شاباً قوي الجسد متين التركيب، وكانت مقاييس جسمي: العنق والصدر والبطن والأطراف، لا تختلف عن المقاييس المثالية لأبطال كمال الأجسام إلاّ بسبعة في المئة فقط)، فقال لي ضاحكاً: هل تدخل معهم فرقة الملاكمة؟ قلت بلا تردّد: نعم.