للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، فخلا مقعد في وسط الغرفة فقلت له: قم فاقعد فيه.

فتردّد وهمّ بأن يقول لا فما استطاع، لأنه جندي خاضع للنظام العسكري ومُعرّض للعقوبة إن هو أعلن العصيان. ووضعت عيني عليه، وكانت عينه إلى الشبّاك، فأُلْقِيَت إليه رزمة أوراق فسبقتُه إليها فأخذتها فإذا فيها الأجوبة المطلوبة، فأبقيتها معي ولم أدفعها إليه. فضمّ شفتيه ورماني بنظرة وعيد يتطاير منها الشرر، وهزّ رأسه كأنه يقول: سترى.

وكان قد بقي لموعد سفرنا عشرة أيام، فذهبت إلى المدير فرجوته أن يسمح لي بالسفر وأن يُعفيني من هذه المراقبة التي لم تكن من عملي الأصلي. فعجب وقال: لماذا؟ فقصصت عليه القصّة. فقال: وهل تخاف؟ قلت: نعم، أخاف. فضحك وقال: عجيب. قلت: لا، بل العجيب ألاّ أخاف. ألم يُقتَل السنة الماضية الأستاذ المصري الدكتور سيف؟ ألم يكَد يَلحق به الأستاذ محمود عزمي لولا أنه أخرج مسدسه وهدّد به؟ ألم يعتدوا في الكرخ على الأستاذ فاضل الجمالي وهو يومئذ مدير المعارف؟

إن الطلاّب في الشام إن غضبوا لحقوا المدرّس يسبّونه أو يهتفون به الهتاف العامّي الوسخ «بعرو» أو يرمونه بالحجارة، وربما ضربوه، أمّا القتل ... القتل؟ فلا والله، لا أعرّض نفسي للقتل حتّى تقول عني إنني شجاع. فأبى أن يأذن لي بالسفر، واعتذر بأنه لا يملك الإذن، إنما تملكه وزارة المعارف، وخرجت منزعجاً.

وكنت أنام (كما عرفتم) في دار العلوم الشرعية في المدرسة

<<  <  ج: ص:  >  >>