للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملحَقة بجامع أبي حنيفة في الأعظمية، وكان عندنا رجل مُسِنّ اسمه حاجي نجم (الحاج نجم) كان بمثابة رئيس الفرّاشين، ولكنهم يوقّرونه لسنّه ويحترمونه، وكان عاقلاً. فرآني مهموماً فسألني: ما لك؟ قلت: لا شيء. فأصرّ عليّ أن أخبره وحلف عليّ بالله أن لا أكتمه شيئاً.

فخبّرته بما كان، فاستراح وقال: المسألة هيّنة، أنا أذهب معك غداً. فتعجّبت وضحكت وقلت شبه ساخر: تذهب معي؟ أشكرك، ولكن ماذا تصنع وأنت يا حاجي رجل عجوز؟ هل تقاتل عني إن قاتلوني؟ قال: لا تستصغر أحداً يا أستاذ، وغداً إن شاء الله سترى. فاذهب الآن فتعشَّ ونَم مطمئناً.

وذهب معي صباحاً، فلما نزلنا من الحافلة في طرف بغداد مشيت ومشى ورائي بجانب الطريق، فلما اقتربت من المدرسة وجدت الطالب الذي هدّدني ومعه ثلاثة من أشباهه، لو صارعوا دباً قطبياً لصرعوه أو قاتلوا ثوراً هائجاً لقتلوه. فأقبلوا عليّ من الجهات الثلاث بخُطى بطيئة كخُطى الجاموس الذي يتقدّم للنطاح. فوزنت قوّتي بقوّتهم فرأيت أني لن أقوى عليهم، ولكني لن أكون ضحيّة سهلة، وسأتناول واحداً منهم أو اثنين بلكمة قوية أو لكمتين قبل أن يصلوا إليّ.

وتوقّعت الشرّ وأيقنت أنه لا بدّ من وقوعه. وإذا بهم يقفون، ثم ينظر بعضهم إلى بعض ويستديرون راجعين. فلم أفهم ماذا جرى، وإذا الحاجّ نجم، هذا الرجل العجوز، لم يزد أن مشى خطوتين إليهم وتنحنح يقول: إحم! كأنه يقول لهم: "نحن هنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>