الصنم الذي ورد ذكره في كتاب «كليلة ودمنة»؛ لا أستطيع فيه أن أهزّ رأسي لئلاّ تسقط السيدارة عنه، والسيدارة (كما تعرفون) لا تستر من الرأس إلاّ ربعه ولا تكاد تستقرّ فوقه، أو أنني أنا الذي لم أعرف كيف ألبسها. ولقد كان زكي مبارك رحمة الله عليه في العراق يلبس السيدارة معترضة (بالعرض)، كأنها قبعة نابليون، وهم يلبسونها مستطيلة (بالطول).
وأشدّ منها هذا الحذاء. لقد بذلت جهداً في دمشق حتّى وصلت إلى حذّاء (كندرجي) يصنع أحذية الجند فأوصيته عليها، وكلّفَتني أربعين ليرة في تلك الأيام. وكان لبسها عملاً شاقاً، ولكن نزعها مصيبة. فلم أكن أستطيع (رغم أنهم علموني) أن أُخرج رجلي منها حتّى يأتي من يمسك بكتفي ويأتي آخر فيقبض على كلّ فردة منها، ثم يندفعان إلى الوراء فتخرج من رجلي وينقلب كل منهما على ظهره! ولست أدري ما الحكمة في اتخاذها ولماذا لم نكن نلبس -كما يلبس ضبّاط اليوم- حذاء عادياً؟
* * *
أعود إلى ذكر كركوك.
كركوك بلد صغير قائم على ظهر تلّ صناعي، والبلدة حولها سور وبيوتها قديمة متداخلة، ولكن العمران خرج من السور ونزل من فوق التلّ وانتشر في السهل.
ركبت القطار من بغداد. وقطارات العراق مريحة وجيّدة، وكانت أرقى من قطارات فلسطين ومصر التي عرفتها في تلك