للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولئك الزعماء إلاّ واحد فقط هو شكري بك القوتلي رحمة الله عليه. وشكري بك عمل لوطنه بإخلاص، أنفق أكثر ماله في سبيل النضال، ولولا أن أخاً له تُوفّي وأورثه إرثاً كبيراً لكاد يفتقر. وكان شكري بك متديناً، وإن كان تديّنه كتديّن العامّة: يصلّي ويصوم ويؤدّي الفرائض ويجتنب الكبائر، ولكنه -مثل أكثر المسلمين- لا اطّلاع له على حقائق الدين وعلى أحكامه.

لمّا ذهبت إلى الشام وجدت أنه لم يبقَ في ميدان النضال غيره، فمشيت إليه في داره في جادة الرئيس تحت الجسر الأبيض، وذكّرته بأنني جندي قديم كنت أقود الطلاّب جميعاً سنة إحدى وثلاثين حين كنت أكتب في «الأيام» عند الأستاذ عارف النكدي، فذكَرني الرجل ورحّب بي وتفضّل عليّ بما هو أهل له من الثناء والتشجيع، فعرضت عليه جهودي القليلة وطلبت منه أن يكلّفني بعمل لأنه لا يجوز أن نسكت وأن نقعد عن نضالنا في سبيل استقلالنا. فقال ما معناه بأنه حينما يكون مجال للعمل فإنه يستدعيني.

ولم يمرّ إلاّ قليل حتّى كانت نكسة من هذه النكسات، وأقام الفرنسيون «حكومة المديرين»، أي أنهم عزلوا الوزراء وأبعدوهم وعطّلوا الحكم النيابي، وجاؤوا بمديري الوزارات فسلّموهم أمر إدارة الحكومة. وكان رئيس حكومة المديرين بهيج الخطيب، وهو قريب الشيخ فؤاد الخطيب الشاعر العربي الكبير الذي تعرفونه، وأحسب أنه أخوه ولا أؤكّد ذلك الآن (١). وهذه الأسرة


(١) وقد أكّده لي الأستاذ زهير الشاويش.

<<  <  ج: ص:  >  >>