للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هي ضيقة مقاعدها صغيرة، لا يستطيع المرء أن يمشي بينها، وقد ملؤوها على ضيقها بالأكياس وبالسلال والحقائب حتى لم يبقَ فيها مكان لإنسان.

سارت بنا إلى دوما فمررنا على الجانب الشمالي من الغوطة، يوم كان في الدنيا غوطة، يوم لم تأكلها العمارات ولم ندفنها حية تحت أساس هذا البنيان. ثم على الكروم التي كانت تمتدّ أكيالاً (كيلومترات)، فيها العنب الدوماني الذي لا نظير له في الدنيا والذي يُصنع منه «الدبس»، وهو أخو العسل ليس له ميزاته ولكن له طعمه ولذته وفيه بعض غذائه، فذهبت الآن هذه الكروم، ما أدري أي آفة أصابتها حتى أحرقتها وأماتتها.

وكنا حين نذهب إلى بغداد ننعطف يميناً إلى أبي الشامات، فذهبنا الآن قُدُماً إلى الثنايا، وفيها «ثنيّة العقاب» التي نزل منها خالد في رحلته العظيمة التي تؤلّف وحدها باباً في التاريخ العسكري في سرعة الانتقال وبراعة القيادة (١). ثم أخذنا طريق حمص ثم انعطفنا إلى تدمر والقريتين، وكان هذا الطريق هو الذي نسلكه إلى دير الزور.

* * *

كانت هذه السفرة في الشتاء وكان شتاء بارداً، وقد طال علينا السفر وتجمّدت أعضاؤنا من شدة البرد ومن ضيق المكان


(١) انظر كتاب «عبقرية خالد بن الوليد العسكرية» الذي نشرته دار المنارة، وفي أوله مقدمة طويلة لعلي الطنطاوي تجدون نسخة منها أيضاً في كتاب «مقدمات الشيخ علي الطنطاوي» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>