ومن قلة الحركة، ومللنا وضجرنا، ولكن لا سبيل إلى الخلاص، فقد كنا كالمصفَّدين بالأغلال لا نملك حرية ولا نستطيع حراكاً.
وأذكر أننا وصلنا إلى شفير واد صغير ممتلئ بالسيل، يهدر هدير بردى في الوادي قديماً، تصطخب أمواجه ويعلوه الزبد ويضرب ماؤه الضفتين. ولم نكن نمشي على طريق (وما كان يومئذ إلى دير الزور ولا إلى بغداد طريق معبد)، فحرنا ماذا نعمل، واختلفت آراؤنا: أننتظر حتى ينقطع السيل أم نخوضه بسياراتنا حتى نبلغ الضفة الثانية فنكمل طريقنا؟ ثم غلب رأي المغامرين (وكنت واحداً منهم) فهجمنا بالسيارة نريد أن نقطع الوادي السائل، فما كادت السيارة تتوسطه حتى وقف محركها ولم يعد يملك سائقها لها شيئاً، وصرنا كأننا في جزيرة عائمة بالماء يضرب جوانب السيارة ويكاد يدخل إلينا، بل لقد دخل فغمر أرضها ولم يعلُ عنها، فلم يبق إلا أن ننزل فنغوص في الماء وندفعها دفعاً.
وكان إلى جانبي شرطيّ من أسرة كبيرة في حي الميدان ما فتئ الطريق كله يصدّع رأسي بذكر أعماله الوطنية التي نَفَوه من أجلها إلى دير الزور ويقصُّ عليّ من أنباء بطولته وإقدامه، فلما جاء الجِدّ وكان الامتحان وأقبلنا ننزل لندفع السيارة بقي في مكانه، فقلت له: ألا تقوم معنا؟
قال: إنني مريض! وبدأ يتوجّع ويتأوّه ويستميل قلبي لأن الماء يضره، فهددته بأن يقوم وإلا ألقيناه في الماء. فتأخر ولم يتقدم وأبى أن يقوم، فقصصت قصته على الركاب وأمرتهم