للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يحملوه ويلقوه في الماء، فحملوه وهو يحرك يديه ورجليه ويحرك لسانه بسبنا وشتمنا، فألقيناه في الماء ليشتغل معنا. وهذا جزاء من يقول ولا يفعل، ويدّعي ولا يثبت، ويزعم أنه بطل ثم يتبين أنه بطّال.

عملنا أكثر من ساعة ونصف ساعة حتى أخرجنا السيارة من الوادي، ولكن ابتلت ثيابنا، ولم يكن معنا ثياب أخرى نستبدلها بها، وخفت أن يؤذيني البرد وأنا في هذه الثياب المبتلة. وكان ذلك ليلاً، فلما أضاء النهار وطلعت الشمس قلت: نقعد في الشمس لعل الثياب تجف، ولكنها كانت شمساً ضعيفة وكان شعاعها بارداً في هذه الأيام من الشتاء، فبقيت بالثياب المبتلة فأعقبَتني رثية (روماتيزم) آذتني مدة طويلة.

مررنا بتدمر ورأينا أعمدتها وآثارها الجليلات الباقيات. وتدمر مدينة مسحورة كأنها من مدن ألف ليلة وليلة، لو أن متتبعاً جمع تاريخها ودوّن أخبارها لكان من ذلك سِفْر عظيم من أسفار التاريخ. تدمر التي كانت فيها الزبّاء ... أو زنوبيا أو زينب، فلست أدري ما اسمها على التحقيق وليس لها قيد في سجل الأحوال المدنية حتى أستخرجه وأعرف اسمها الثلاثي! تدمر هذه التي تدهش الناظر إليها بعظم أعمدتها التي تشبه أعمدة بَعْلَبك وإن كانت أصغر منها بقليل، صارت يوماً من الأيام منفى لمن يغضب عليه الحكام. كانت قصوراً زاهرة فصارت سجوناً الداخلُ إليها مفقودٌ والخارج منها (ومن يخرج منها؟) مولود!

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>