للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبلغنا دير الزور. وكانت يومئذ (أي قبل ست وأربعين سنة) بلدة صغيرة ما فيها إلاّ شارع واحدة، في هذا الشارع فندق صغير نزلت فيه فبتُّ ليالي. وأنا أكره حياة الفنادق، لم أحبها قط وكنت طول عمري أهرب منها، فسألت إخواننا أن يجدوا لي أسرة تؤجّرني غرفة أعيش فيها، فقالوا بأن المسلمين لا يؤجرون غرفة في دورهم لرجل أجنبي، ولكن في البلد حياً اسمه الجبيلة فيه قوم من النصارى ربما وجدت عندهم ما تريد. واستأجروا لي غرفة عند أسرة فيها زوج وزوجة وطفلان، قوم مهذبون ذوو أخلاق أقمت عندهم قليلاً، ولكن كرهت الحي فعرضت عليهم أن أستأجر أنا داراً أختارها وأدفع أنا أجرتها وأسكنهم معي فيها، وأدفع لهم نصف نفقات الطعام والشراب على أن يقدم لي الطعام مُعَدّاً.

فقبلوا، واستأجرت داراً في جزيرة بين فرعَي الفرات يسمونها «الحويقة» (لأن الماء يحيق بها من جهتيها). وكانت داراً جميلة تدخل منها إلى بستان واسع فيه أشجار عليها الثمار، وإلى يمينك غرفتان فيهما مرافقهما يقابلهما ثلاث غرف، أي أن هذه الدار تشتمل على بيتين، فسكنت أنا في الجهة اليمنى وأسكنت الأسرة التي انتقلت معي إلى الجهة الأخرى. ولم أُصادف الزوج أبداً، أما الزوجة وأطفالها فربما كنت ألقاهم، وكنت أغدو على المدرسة صباحاً بعد أن يُعَدّ لي الطعام وتوصله الطفلة إلى باب الغرفة، فإذا رجعت وجدت غدائي مُعَدّاً على مائدة صغيرة فأكلت منه ثم دخلت إلى الغرفة الداخلية فنمت فيها، فإذا انتهت القيلولة وخرجت وجدت الطعام قد رُفِع والشاي قد حل مكانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>