صفّ من الصفوف، فلي في كل غرفة منها ذكرى وفي كل زاوية قطعة من حياتي التي ذهبَت ولن تعود.
فما الذي أستطيع أن أذكره الآن؟ وما أذكره كيف أقدر أن أُثبِته على الورق؟ إن أجمل آثار الكاتب أو الشاعر هي التي لم يكتبها. ومتى كانت الكلمات تسع العواطف والأفكار؟ بل متى كانت تسجّل كل مشاهد الكون، فضلاً عن مشاعر النفوس؟ أتقدر أن تسجّل ألوان الغروب حتى لا يفوت قارئ قصيدتك -أيها الشاعر- أو ناظر لوحتك -أيها الرسّام- شيء منها؟
كم قال الشعراء وكم كتب الكتّاب في الحب! فهل أحاطوا بمعاني الحب؟ هل أدركوا أسرار الجمال؟ هذه الكلمة المؤلَّفة من حرفين اثنين: الحاء التي تعبّر عن الحنان، والباء الساكنة التي ترى الفم وهو ينطق بها مجموع الشفتين كأنه متهيّئ لقبلة! هل تحيط كلمة «الحب» بكل أشكال الحب؟ الأم تحب ولدها، وهذا يحب من الشعراء البحتري، والثالث يحب من البلاد مكة، والرابع يحب ركوب البحر، والخامس يحب الفول المدمّس بالزيت لا بالسمن، وقيس يحب ليلى ... أفهذا كله «حب» واحد؟ وحب الله الذي هو جوهر الإيمان، أترونه يشبه ما ذكرت من أنواع الحب؟
والجمال؟ جمال الطبيعة، وجمال البلاغة، وجمال الشيخ الوقور، وجمال المرأة الحسناء، هل هو «جمال» واحد؟ ولو جئت بمئة جميلة لوجدت مئة جمال، كلٌّ له طعم وكلٌّ له لون وكلٌّ من نوع، وما عندنا لهذا كلّه إلاّ كلمة واحدة. لذلك نعمد