للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكنت تلك الليلة في سهرة في الشام. ونحن نطلق اسم «الشام» على البلدة القديمة فقط، فمَن كان في حيّ الميدان أو كان في المهاجرين يقول: نزلت إلى الشام. وكذلك يُطلِق المصريون اسم «مصر» على البلدة القديمة فيقول مَن في شُبْرا: أنا نازل إلى مصر. وإن كان اسم الشام ومصر أعمّ في أصل اللغة وأوسع.

جئت بعد انقضاء السهرة أريد أن أركب الترام ليصعد بي إلى بيتي في الجبل، فتأخّر، فوقفت في ساحة المرجة التي كانت تلتقي فيها خطوط الترام (قبل إلغائه ونزع خطوطه). وطال وقوفي فمللتُ، وجعلت أنظر حولي فوجدت إعلاناً مهترئاً على عمود الكهرباء أمام بناية «العدلية» القديمة. فقرأتُه، فإذا هو دعوة لحَمَلَة إجازة الحقوق للدخول في القضاء.

نظرت في التاريخ فرأيت أنه لم يبقَ على آخر موعد لتقديم الطلب إلاّ يومان اثنان، فتركت الترام وأخذت عربة فذهبت إلى رفيقي محمد الجيرودي، ولم يكن قد تزوّج فكان يقيم في غرفة مستأجَرة عند أسرة نصرانية. فطلبت منه الكتب والمراجع وسألته أن يدلّني على طريق الاستعداد لهذا الامتحان.

وكان الامتحان صعباً جداً؛ كلّ ما درسناه في كلية الحقوق نُطالَب به في هذه المسابقة لدخول القضاء، وأول ما طُلب منّا «المجلّة» (مجلة الأحكام العدلية). وكانت المجلة هي القانون المدني الذي نحكم به، وضعَتها في أواخر القرن الماضي لجنة من كبار علماء الدولة العثمانية كان منهم السيد علاء الدين عابدين (ابن صاحب «الحاشية»)، وكانت جامعة لأبواب الفقه

<<  <  ج: ص:  >  >>