للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم غلبه الحرّ والعطش فمات في أرضه. تلك جماعة من الناس يموتون من شدة الحرّ، فلما جئت النبك رأيت جماعة ماتوا من شدّة البرد في الذّرى العالية المحيطة بالنبك ويبرود الممتدّة إلى بَعْلَبكّ.

* * *

وقعت لي حوادث كثيرة في السنة التي أقمتها في النبك، لكنني لم أدوِّنْها فأنا أذكر الآن ما بقي في ذاكرتي منها.

من ذلك أن الشيخ تاج الدين الحَسَني رجع تلك السنة إلى دمشق واتفق مع الفرنسيين: الجنرال كاترو والكولونيل كوليه (وهم أصدقاؤه) على إعلان استقلال سورية. ولم يكن استقلالاً كاملاً ولكنه كان -على كلّ حال- خطوة إلى الأمام، ونصّبوه رئيساً للجمهورية. وكنّا نتندّر بذلك، لأن رئيس الجمهورية إما أن تنتخبه الهيئة التشريعية (البرلمان) أو أن ينتخبه الشعب مباشرة، أمّا رئيس للجمهورية يُعيَّن من غريب عن البلد يحكمها حكم قوّة وتسلّط فلم يُسمَع بذلك من قبل. على أن من الحقّ أن أشهد أن حكمه الذي كنّا نناوئه ونقاومه ولا نرضى به كان خيراً، أو كان أقلّ شراً، من كل حكم شهدناه بعده.

أراد رئيس الجمهورية، الشيخ تاج الدين الحَسَني، أن يجول جولة في سورية، فبدأ بالنبك في طريقه إلى حمص فحماة فحلب. وأبلغَنا قائم المقام أن علينا (أي على الموظفين) أن يخرجوا إلى استقباله من الطريق العامّ (طريق حمص)، فأبَيت واعتصمت بمحكمتي، وكرهت أن أخرج، وصمدت لكل ضغط وُجِّه إليّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>