للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أقبل الناس يتبرّعون بما يقدرون عليه، وكنت أعاود الكلام وأقول لهم: القليل والكثير يكون لأصحابه الأجر الوفير، ورُبّ درهم سبق عشرة آلاف درهم ... وأذكر لهم ما أحفظ من الآيات والأحاديث في فضل الصدقة وعظيم ثوابها.

ثم عملت شيئاً جديداً، هو أننا جئنا بدوابّ وعربات صغيرة وضعنا فيها أكياساً فارغة وسلالاً كبيرة، وبعثت مَن ينادي في الناس نداء يشبه ما يكون في العرضات (العراضات) الشعبية في الشام:

هاتوا قمح هاتوا شعير، ... هاتوا قليل هاتوا كثير

كله مليح للفقير، ... كله عليه أجر كبير

فأقبل الناس يُعطون من القمح ومن الشعير ومن الرز، بل ومن الثياب التي لا يحتاجون إليها، بل ومن الأواني البيتية ما جمع عندنا من ذلك مقداراً وافراً. ثم جئنا إلى قوائم كنّا قد أعددناها بأسماء الفقراء في البلد، فدعونا بهم وسلّمنا كُلاًّ منهم نصيبه علناً أمام الناس؛ فكان الجمع علنياً والتوزيع علنياً، وما كان من المَؤونة بعثنا به إلى بيوت المستحقّين وبعثنا معهم شهوداً يشهدون أنه وصل إليهم. ذلك لأن المسلمين ليست فيهم أزمة بخل فهم كرام يبذلون أكثر ما يقدرون عليه، ولكن فيهم أزمةَ ثقة وخوفاً من أن يضيع المال قبل بلوغه غايته التي جمع من أجلها، فبسبب ذلك ما ترون أحياناً من بعض البخل وبعض الضنّ.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>