للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن القانون حينما يكون ماشياً مع العدل ويحكم به القاضي يكون مرتاح الضمير مطمئناً إلى ما حكم به، ولكن أصعب ما يعترض القاضي أن يرى العدالة في طريق وأن يرى القانون في طريق آخر.

كان الناس في الشام إذا اشتروا القمح وما يشبهه اشتروه بالمُدّ، والمُدّ مكيال معروف، فجاء القانون وألغى استعمال المكاييل القديمة وألزم الناس جميعاً بالمكاييل الأجنبية الجديدة، فالقياس بالمتر لا بالذراع، والوزن بالكيل (الكيلو) لا بالرطل، والمكيال باللتر لا بالصاع والمُدّ.

وممّا وقع لي أني اشتريت قمحاً بالمُدّ وحمله البيّاع إلى بيتي، فلما غدوت على المحكمة صبيحة اليوم التالي وجدت بين المخالفات التي عُرضت عليّ في محكمة الصلح التي أتولّى الحكم فيها (إضافة إلى عملي الأصلي في المحكمة الشرعية)، وجدت بيّاعاً أُحيل عليها لمعاقبته على أنه اقتنى المُدّ وباع به.

فكيف أحاكمه على أمر جائز شرعاً ومستساغ عُرفاً، وأنا أعمله؟ إذا حكمت عليه اتباعاً للقانون أكون قد خالفت ضميري وجُرْت في حكمي، وإذا حكمت عليه بما أراه الحقّ والصواب خالفت القانون. فماذا أصنع؟ وعُرض عليّ في ذلك اليوم جزّار ضبطوه يذبح في اليوم الذي مَنعت الحكومة الذبح فيه توفيراً للّحم واجتناباً للضائقة أيام الحرب. وأنا أعلم أن طاعة وليّ الأمر في مثل هذا الموقف واجبة، إذا كان ولي الأمر منّا لا من غيرنا ولم يأمرنا ولم ينهَنا فيما يخالف شرع ربنا، فإذا منعَت الحكومة

<<  <  ج: ص:  >  >>