عند العشيّة، وعلى سفح التل القريب في ضوء القمر والليلُ يغلّف بسكونه همسات الغرام، ليالي المُنى ماثلات أمامه لمّا رأى حبيبه معه، واللذائذ كلها في يديه، وماضيه ومستقبله قد احتوتهما اللحظة الحاضرة فلم يعُد يذكر ما كان ولا يفكّر فيما يكون ... وكذلك يصنع الحبّ بالمحبّين.
ثم يتفرق الشمل الجميع، وينأى الحبيب القريب، ولا يبقى من هذه الحياة إلاّ «الأطلال» المواثل في القَفرة الخالية، قد جفّ الغدير وهُدّت الخيام ورحل الأحبّة.
ماذا يكون شعور هذا «البدوي العاشق» حين يجيئه من يحمل إليه رسالة من لَيلاه (ولكل محب ليلى) فيها وعد باللقاء وبشارة بالوصول؟ كذلك كان شعوري. غير أن البدوي يأمل أن يرجع إليه الحبيب وتعود أمسيات اللقاء، وأنا أعيش بلا أمل ولا رجاء.
وهل يعود لي أمسي الذي مضى وشبابي الذي ولّى، ورفاق الصبا وإخوان الصفا، حيث كنا نعيش في دنيا لا تعرف الغش ولا الخداع ولا زيف الصداقات؟ تلك حياة الطفولة الطاهرة، فهل تعود؟