للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم انسحب جيش هو جيش الفرنسيين الموالين للألمان، ودخل جيش هو جيش ديغول المناوئ للألمان، وكلهم عدو لنا وكلهم طامع فينا مستعمر لبلادنا.

فأعلنوا استقلال سورية وانتهاء الحرب، ونصّبوا (كما قلت لكم في الحلقة الماضية) الشيخ تاج الدين الحسني رئيساً للجمهورية التي أعلنوا تشكيلها. فتنفّس الناس الصعداء، لا لأنهم خُدعوا بهذا الاستقلال الموهوم، فالاستقلال يؤخَذ ولا يُعطى والاستقلال الذي يأتي منحة من الغاصب ليس إلاّ احتلالاً بلون آخر. ولكنهم تذوّقوا لذّة الأمن بعد الخوف، وعاد مَن كان لجأ إلى البلد من سكان القُرى المرزأة المروَّعة الذين أكلت الحرب دورَهم وغلاّتهم: سكان الكسوة والباردة والأشرفية وصَحْنايا وسبينة وسبينات والقَدم، وتلك القرى التي تطيف بدمشق تحفّ بها من جهة الغوطة (الغوطة التي كانت تنعم بالأنس والدعة في ظلال الأشجار، فجعل المتمدّنون المستعمرون بقاعاً كثيرة منها صحراء قاحلة لا شجرة فيها ولا دار) ودارَيّا قرية العنب الديراني الذي تباهي دمشقُ المدنَ بلونه وطعمه ونبل حبته وجلال عناقيده واتساع كرومه، وجارتها المِزّة «جيزة دمشق» وأجمل ضواحيها ... عادوا إلى دورهم ومساكنهم يحسبون أنها لا تزال لهم مساكن، ما دروا أن من هذه القرى ما لم يُبقِ المتمدّنون المتحضرون منه إلاّ أطلالاً ورسوماً.

وانطلق الدمشقيون الذين واسوهم في مصيبتهم وآووهم في منازلهم يودّعونهم بالحفلات والولائم؛ فاشتعلت الأحياء

<<  <  ج: ص:  >  >>