للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي تحف بالأموي نوراً وابتسمت سروراً: القيمرية والكلاّسة وباب السلامة وباب البريد وسيدي عامود ... حتّى ليحسبها الرائي ترقص طرباً، وما بها -لو حقّقتَ- من طرب. وفيمَ الطرب؟ ولكنْ مواساةً للمنكوبين وتطيِيباً لقلوبهم وإظهاراً للرضا بانطفاء نار الحرب، وحمداً لله على ما لطف وسلّم.

وكانت ليلة الأربعاء (٢٥ حزيران ١٩٤١) كأنها من ليالي الأعياد، وكان أسبق الأحياء في هذا المضمار الكلاّسة، هذا الحيّ الصغير الرابض إلى جنب مسجد بني أُميّة عند مدفن البطل صلاح الدين، فظهرت على أيدي أهله مُدهِشات الشهامة والكرم، حتّى لقد آوى رجلٌ منهم واحدٌ سبعَ أسر في داره، وأولاهم من بشاشة وجهه وفضل ماله ومسكنه ما لا يمتدّ إلى أكثر منه جهد مثله.

* * *

نام الناس هذه الليلة التي حسبوها من ليالي الأعياد مطمئنّين، لا يخافون الحرب وقد انطفأت نارها، ينتظرون بآمالهم الغد القريب ليحمل إليهم السلام والرخاء. فلما كانت الساعة الرابعة إلاّ ربعاً، ومآذن دمشق الثلاثمئة والسبعون تصدح بالتراحيم الأخيرة (وهي بدعة حلوة لو كان في البدع الدينية ما هو حلو، ولكن البدعة مُرّة مهما كان شكلها وكان لونها)، وكان الليل ساكناً سكون السحَر الفاتن العميق، وإذا بِرَجّة لا توصف، قلقلت البيوت فذهبَت بها وجاءت كأنها الزلزال العظيم، لولا أنها اقترنَت بصوت أفاق منه الناس وإن أحدهم ليضطرب في فراشه اضطراب السمكة خرجت من الماء! ثم أعقبَتها رجّتان، ثم جاءت رجّة أنْسَت الناس الثلاثَ الأُولَيات. فذهبَت المفاجأة بألباب ذوي

<<  <  ج: ص:  >  >>