للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه كما عَجِب الناس منه لمّا نفذته. هذا الخاطر هو أن أقتطع من الرحبة الكبيرة التي تفصل بين الغرف وتمتدّ من طرف قصر الحكومة إلى طرفه الآخر، أقتطع قطعة أقيم فيها جداراً يصل بين غرفتَي المحكمة ويحجزهما عن باقي الردهة، وأنقل قوس المحاكمة إليه، وأجعل الغرفة الكبيرة لي والصغيرة المقابلة للكاتبين.

فكّرت في ذلك طويلاً: هل أُقدِم عليه (وفيه مخالفة صريحة للقانون) لِما فيه من النفع الظاهر أم أمتنع عنه وأدع كلّ شيء على حاله؟ وكنت امرءاً يحب المغامرات، فآثرت الأولى. وكان عندي آذن (فرّاش) من أهل البلد، كبير السنّ كثير المعارف والأصحاب أمين على المال وعلى الأسرار، فدعوت به وقلت له: يا أبا محمد، أريد أن تذهب إلى السوق حيث تُباع أنقاض البيوت فتشتري لي باباً قديماً ومقداراً من اللبِن يكفي لبناء جدار، وأن تأتيني ببَنّاء ماهر ونجّار حاذق في مهنته أمين في عمله. قال: أفعل، ولكن اسمح لي أن أسأل: ماذا تريد أن تصنع؟ قلت: إذا انصرف الموظفون يوم الخميس أجيء بهذا اللبن فأجعل منه جداراً من الأرض إلى السقف، يصل بين الغرفتين ويفصل المحكمة عن سائر غرف القصر وأبهائه، وينقل النجار هذا القوس كله إلى الغرفة التي تقوم في هذا الفراغ بعد إنشاء الجدار، وتأتيني بمن يطلي هذا الجدار الذي أقمته من اللبِن بمثل طلاء جدران القصر، فلا يجيء يوم السبت حتّى يكون قد جفّ أو بدأ يجفّ.

فتعجّب ولكنه وعد بأن يفعل. ونفّذ ذلك، فخرج الموظفون ظهر الخميس والغرفتان منفصلتان، وعادوا صباح السبت وهما

<<  <  ج: ص:  >  >>