للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متصلتان بينهما غرفة المحاكمة، وقد استقلّت المحكمة الشرعية وصار لها باب. وسكتُّ على ذلك مدّة ولم يسألني أحد ماذا فعلت؛ قائم المقام ظنّ أن هذا العمل قد عملته وزارة العدل، والمراجعون حسبوا أن قائم المقام هو الذي أجرى هذا التعديل، واستقام الأمر ولكن بقيَت غرفتي بلا أثاث.

وكان محاسب وزارة العدل شيخاً من بقايا العهد العثماني أبقوه لخبرته وأمانته، كبير السنّ طيّب القلب بطيء الكلام كثير التفكير، اسمه زيوار بك الجابي، رحمة الله عليه. ذهبت إليه فقلت: يا زيوار بك، غرفتي في المحكمة في دوما ما فيها أثاث، فهل تحبّ أن أشتري بساطاً فأقعد على الأرض؟ فرفع حاجبَيه متعجّباً وقال: أين الأثاث؟ فقلت: هل تذهب معي فترى؟ قال: لا أستطيع، ولكن أرسلُ معك موظفاً من قِبَلي تُطْلِعُه على ما تريد.

وجاء الموظف فرأى ما صنعتُ واستحسنه، وأبصر الغرفة خالية فرجع إليه فأخبره، فسألني: من أين أنفقت على بناء الجدار ونقل القوس؟ قلت: قبل أن أخبرك عن النفقات أسألك: هل استحسنت هذا العمل؟ قال: "والله طيّب. عملت طيّب". قلت: أرسل من يقدّر تكاليفه. قال: نعم. وأرسل من قدّر التكاليف بعشرة أضعاف ما أنفقتُه أنا فيها، فلما لقيته قال: نُعِدّ سنداً بالمبلغ لندفعه لك. فضحكت وقلت: ولكني صرفت عُشر هذا المبلغ الذي قدّرتموه. قال: كيف؟ فخبّرتُه بما صنعت، فعجب منه وأُعجِب به وقال: يا ليت جميع القُضاة يصنعون مثل هذا، ينجزون الأعمال ويوفّرون الأموال. قلت: ولكن يا زيوار بك، الفرش! قال: "تكرم عينك"، وكتب لي رسالة رسمية إلى تاجر

<<  <  ج: ص:  >  >>