للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في سوق الأروام (وهو جزء من سوق الحميدية المشهور) اسمه كوكش يُعَدّ من أكبر تُجّار الأثاث، فأخذت منه مكتباً وفرشاً كاملاً للغرفة بقي يُستعمل بعدي أكثر من عشرين سنة.

إني لأفكّر الآن، فأتساءل: هل ما عملته صواب؟ ولو سُئلت عن مثله هل أُفتي به وأنصح السائل بأن يعمل مثل ما عملتُ؟ أظنّ بأن الجواب: لا. لأننا لو تركنا لكل موظف أن يجتهد رأيه وأن ينفّذ ما يراه من غير أن يرجع إلى رئيس يملك حقّ البَتّ في الموضوع، لصارت الأمور فوضى ولفسدت حياة الناس.

فالذي عملته كان بالمصادفة خيراً، ولكن عمل مثله وجعل ذلك قاعدة يكون منه شرّ مستطير.

* * *

أنا أدوّن الآن ذكريات سنة ١٣٦١هـ، وقد كان عمري أربعاً وثلاثين سنة، تنقّلت في البلاد ورأيت أصنافاً من العباد ولكني لم أخالطهم ولم أداخلهم، كنت ألقاهم من فوق أعواد المنابر أو من خلال أوراق الصحف والمجلاّت أو من فوق منبر التدريس. والذين لقيتهم إنما كان لقائي بهم عارضاً، أُلامسهم ولا أداخلهم، فلما وليت القضاء رأيت ما لم أكن أعرف من قبل، رأيت في كلّ قرية من القرى رجلاً له مطامع وله نفوذ وله سلطان، ولكن أكثر هؤلاء ليس له مع هذا النفوذ عدالة ولا إيمان، فكانوا يظلمون الناس ويستحلّون أموالهم ويعبثون بحقوقهم، ويُلبِسون «طاقية» زيد عَمْراً، هَمّهم من ذلك كله أن يدخل المال جيوبهم وأن يزيد بين الناس جاههم وأن ترتفع منازلهم. وكان أكثر ما يعتمدون

<<  <  ج: ص:  >  >>