للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه الصلة بالحُكّام، أو إيهام العوامّ أن لهم صلة بالحُكّام. ولقد رأيت مَن يأتي فيسلّم عليّ كما يسلّم الناس على القاضي الجديد، ثم يستغلّ هذا السلام في ظلم الأنام وفي سلب أموالهم وفي إضاعة حقوقهم. ولقد كنت أسمع الناس هنا يَعجبون حين يرون أمثال هذه القصص في المسلسلات التي تصوّر حال الأرياف في مصر ويحسبونها مبالغة، فكنت أقول لهم إنني رأيت كثيراً من أمثالها. لذلك نشأت لديّ عُقدة نفسية: خوف من أن يستغلّني واحد من هؤلاء، فكنت أهرب منهم وأبتعد عنهم وأغلق بابي في وجوههم.

كانوا يقولون قديماً:

إنّ نصفَ الناسِ أعداءٌ لمنْ ... وَلِيَ الأحكامَ، هذا إنْ عَدَلْ

فرأيت أنّ مَن عدل كان أكثرَ الناس أصدقاء، ولكن هؤلاء الأصدقاء من الضعاف الفقراء الذين لا ترتفع أصواتهم ولا يمتدّ نفوذهم إلى أبعد من أسرهم وذويهم، ووجدت أن أصحاب النفوذ وأهل الوجاهة وزعماء الأحياء والقرى، وهم قِلّة، لا يرضون إلاّ عن القاضي الذي يماشيهم ويسايرهم، ويسهّل لهم أعمالهم ويكون معهم، ولو كان ذلك على حساب العدل والحقّ.

فلما وصلت دوما ساءلت نفسي: هل أؤثر دنياي فأجامل هؤلاء وأعاملهم بالحسنى لأدفع شرهم عني، أم أقيم العدل على ساقَيه ولا أبالي بأحد في سبيله؟ فآثرت الثانية، ولم أنسَ ما كنت كتبته عن الشيخ سليمان الجوخدار الذي ولي إفتاء دمشق قبل ثمانين سنة فعادى جماعة من الوجهاء أيام العثمانيين، فما زالوا به حتّى أخرجوه من وظيفته وأبعدوه عن منصبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>