للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى ربط الخطبة بغيره. وأذكر أنه دخل مرّة فصعد المنبر، فلما رآه المصلون حملوا أحذيتهم وخرجوا يبتدرون المساجد يفتشون عن مسجد آخر يصلون فيه، ولم يبقَ منهم أحد.

كانت في الناس يقظة وكانوا يعرفون كيف يُظهِرون الرضا عن الصالح والنقمة على الطالح، وهذا من أسباب صلاح الحال.

دخل عليّ فلم أستطع أن أردّه واستقبلته متحفّظاً، وسمعت منه الكثير ولم أقُل له إلاّ القليل، وعرض عليّ «خدماته» وأنه لا يريد إلاّ راحتي وما عليّ إلاّ أن آمر بما أتمنّى فيُطاع أمري. ولمست من كلامه صحّة قالة السوء عنه ورأيت في مظهره صدق ما يقول الناس عن مخبره، فقلت في نفسي: أقطع الخيط من أول يوم. وأبعدت عن قلبي فكرة الاستفادة منه أو مجاملته، وقلت له: إن راحتي بأن تكون صلتي بك -مع احترامي إياك- في حدود الرسميات، ولا آمر بل أرجو ألاّ يكون بيننا زيارات ولا صلات إلاّ ما تقتضيه الوظيفة. فتجهّم، وقال: ولكن لماذا؟ فقلت: ليس عليّ أن أخبرك وليس لك أن تسألني لماذا؛ أنا حرّ في أن أصادق من أشاء وأبتعد عمّن أشاء، ولك مثل الذي لي من هذه الحرية.

فكسبت بذلك أول عدوّ لي. وكان عدواً قوياً مُؤيَّداً من جماعة قليلة جداً من الناس ولكنها قوية، ومن جمهور الحُكّام، ومن المستعمرين الفرنسيين الذين يتزلّف إليهم ويتقرب منهم.

والثاني: مأمور الأوقاف. وهو شاب يتّخذ زيّ العلماء، الجبّة والعمامة، وله بعض الاطّلاع على مبادئ المذهب الحنبلي (لأن أهل دوما حنابلة). وقد سلك الطرق الملتوية حتّى صار

<<  <  ج: ص:  >  >>