للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفتي الحنابلة في دمشق، وهو خطيب طلق اللسان يُحسن الكلام وإن كان أكثر كلامه خالياً من العلم، وهو نموذج لطبقة عندنا من المشايخ، إذا وقفَت أمام الجمهور تخطب في المساجد يكاد يذوب أفرادها من الخشوع لله ويتفجّرون تارة من الغضب لله، فإذا صاروا أمام الحُكّام كانوا مرآة لهم، لا يرى الحُكّام فيها إلاّ ما تهوى أنفسهم وآلة مسجّلة لا يسمعون منها إلاّ كلامهم، يكرّره هؤلاء ويعيدونه ويشرحونه ويضعون له الحواشي؛ يقولون ما يرضي الحُكّام ويعظّمهم ويُطربهم، وربما كان منهم (وقد تحقّقت من ذلك) من هو عين لهم علينا، يدلّهم على عوراتنا ويرشدهم إلى مواطن ضعفنا ويُفشي لهم أسرارنا. فإن جاءت فرصة لاح فيها شبح منفعة لأحدهم (من مال يناله أو وظيفة يأخذها) وثب عليها، لم ينظر إلاّ إليها ولم يفكّر إلاّ فيها، ونسي ما كان يعظ به ويدعو إليه.

ولي مع هذا المأمور قصّة طويلة (ربما جاء ذكرها)، وما زلت به أتابعه في التقارير وفي الرسائل إلى مديرية الأوقاف حتّى وُفِّقتُ إلى إزالته ووضع رجل صالح مكانه. وكان المدير العامّ للأوقاف هو جميل بك الدهان، الرجل التقيّ الحازم.

ومن الغريب أن هذا المأمور (الذي كان شاباً في تلك الأيام وصار الآن كهلاً أو شيخاً) مقيم هنا، كما يُقيم رفيق له أكبر منه سناً وأقدم في هذه الصناعة الخبيثة قدماً، قد استحوذ هذا المأمور على ثقة كبير من رجال المال والأعمال، فهو يرتع اليوم في ماله ولا يساعده في شيء من أعماله.

<<  <  ج: ص:  >  >>