للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكسبت عدواً ثالثاً، رجل له نفوذ عند الحكومة وله مقام عند رئيس الجمهورية، وكان عضواً في المجلس النيابي. جاءني مرّة فدخل عليّ بلا استئذان، فاحتملت ذلك منه وسكتّ عنه، وقررت ألاّ أجعل له سبيلاً إلى إعادة مثلها. فقعد منتفخاً ورفع رجلاً على رجل، وبدأ يَمُنّ على القُضاة بأنه اقترح في المجلس زيادة رواتبهم وأنه يدخل على رئيس الجمهورية متى شاء، فقلت له: اسمع يا أخانا، إن رئيس الجمهورية يملك من السلطان ما يُدخِل به مجلسَه مَن شاء ويمنع منه من شاء، أما أنا فلست إلاّ قاضياً من القُضاة مقيّداً بقوانين لا أستطيع أن أخرج عنها ومكلّفاً بأعمال لا أقدر أن أقصِّرَ فيها، وإذا فتحت بابي لمن شاء أن يتسلّى عندي أو يمنّ عليّ بكلام لا يمكن أن أقبله منه عطّلت لذلك مصالح العباد وقضايا المراجعين وخنت أمانتي، لذلك أرجو منك بصراحة ألاّ تدخل عليّ إلاّ إذا كانت لك قضية أنت المدّعي فيها أو الوكيل عن المدّعي، أو أنت المدّعى عليه أو الوكيل عنه، أو كانت لك معاملة هي من خصائص المحكمة. وفي غير هذه الأحوال تسمح لي أن أمتنع عن استقبالك.

فحاول أن يهدّد بأن يشكوني إلى الرئيس فقلت له: اسمع، هذا الأسلوب لا مكان له عندي. أنا أقدم منك صلة بالرئيس (شكري بك)، أنا عملت معه يوم كنت قائد الشباب في النضال للاستقلال يوم كنت أنت وأمثالك تفتّشون عن مصالحكم، وهي ضالّتكم، فحيثما وجدتموها وقفتم عندها ولو كانت عند المستعمرين أعداء المسلمين. لذلك وفّر عليك تهديدك أو اذهب إلى فخامة الرئيس فقل له إن فلاناً (الطنطاوي) قال كذا وكذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>