للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلعل في هذه الفلسفة شيئاً من التسرية عني والمنفعة لكم.

* * *

كانت أكثر قضايا المحكمة الشرعية هيّنة، دعاوى نفقة تطالب بها المرأة فيدفعها الرجل بدعوى المتابعة. وأكثر دعاوى النفقة لا تريد المرأة منها النفقة بذاتها، ولكنها تعبير عن ضيقها بالحياة الزوجية وألمها منها وشكواها من معاملة الزوج، فلا تجد أمامها إلاّ واحداً من طريقَين: دعوى النفقة، أو إذا يئست فدعوى التفريق. وكنت لا أكتفي بمنطوق الدعوى وإنما أحاول البحث عن أسباب إقامتها. وفي كثير من الحالات كنت أوفَّق إلى الإصلاح بين الزوجين.

وأول شروط الإصلاح أن أرفع أيدي الأهل عن الزوجين. كنت أجد الزوج يدخل ومعه جماعة من أهله ومن أقربائه (فزعة يفزعون له)، وتدخل المرأة ومعها فزعة من أهلها، هؤلاء الذين يوقدون نار الخلاف كلّما أوشكت أن تنطفئ، مع أن الله قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة، فإذا انفردا تصالحا. فكنت أصنع شيئاً عجيباً، أؤخّر الدعوى ساعة أو نصف ساعة وأُدخِل الزوجين إلى غرفة منفردة وأدعهما ينتظران موعد المحاكمة والنداء عليهما باسْمَيهما. فإذا انفردا بدآ بالخلاف والسباب، ثم تدرّجا إلى العتاب، ثم اقتربا من المصالحة، فلا يخرجان غالباً إلاّ وهما مصطلحان.

فأنا أنصح القراء -ثمرةً لتجارِبي الطويلة في المحكمة وتجارِبي التي هي أطول منها في الحياة- ألاّ يدخل أهل الزوج

<<  <  ج: ص:  >  >>