المعروفة، فذهب الصداع. فرجعت إليهم وقلت لهم: إن مثلكم مثل هذا الفلكي الذي رأى النجم ولم يرَ الحفرة القريبة.
فبعض مَن عرفت من الأطبّاء يتركون الدواء القريب ويصفون الأدوية الصعبة النادرة، أو يفترضون الأمراض المعضلة والأمر أهون من ذلك وأقرب.
وممّن عرفت من الأطبّاء مَن هَمّه الاستكثار من الزبائن وجمع المال، فإذا كان يومه يتسع لفحص عشرة من المرضى يضرب موعداً لعشرين.
ومنهم أساتذة كبار يأتون من بلادهم إلى بلاد أخرى، فيستقبلهم المستشفى الذي دعاهم بدعاية ضخمة وإعلان طويل عن مرتبة هذا الطبيب العلمية وعن شهاداته وعن منزلته، وربما كان ذلك كله حقاً، ولكن المصيبة أنهم يفحصون المريض فحصاً عاجلاً لا يستطيعون به أن يدركوا حقيقة مرضه، وربما احتاج الأمر إلى عيادة أخرى بعد أمد فيكون الطبيب قد رجع إلى بلده. ومنهم من يتخذ من هذه الزيارة سبباً مادياً للربح فيوهم المريض أن مرضه يستدعي عملية جراحية أو إقامة طويلة في المستشفى، ولا يكون ذلك إلاّ في بلد هذا الطبيب وبإشرافه، فيصدق المريض هذا الكلام فيضيع وقته ويذهب ماله ويدع عياله ويسافر، والأمر كله لا ضرورة له ولا حاجة إليه.
أي أن ممّن عرفنا من الأطبّاء من له علم ولكن ليس له ضمير. وقد بلغني أن هذا الداء قد وصل إلى لندن، وكنّا قديماً نضرب الأمثال بأخلاق الإنكليز حتّى إن حافظ عفيفي باشا ألف