وبعض من عرفنا من الأطبّاء يصنعون صنع المنجّم الذي سقط في الحفرة؛ ذلك أن رجلاً كان يمشي في البرية وهو يراقب النجوم، وكان أمامه حفرة فسقط فيها ولم يستطع الخروج منها وجاء يصيح ويستنجد، فجاء من أخرجه منها وقال له: قبل أن تنظر إلى النجم البعيد فوق رأسك انظر إلى الثرى القريب تحت قدميك.
لما فشت الكوليرا في مصر سنة ١٩٤٧ كنت تلك السنة كلها مقيماً فيها، في بعثة من وزارة العدل في الشام إلى وزارة العدل في القاهرة لإعداد بعض القوانين. ولما طال أمد المرض جاءت بعثات طبية من البلاد العربية لتساعد أطبّاء مصر (على كثرتهم وعلو كعبهم في طبّهم) في مكافحة الداء. وكنت أزور البعثة السورية في فندق الكونتيننتال في ميدان الأوبرا فأبقى معهم، وكنت أشكو صداعاً ملازماً لا يكاد يفارقني، فقلت لهم يوماً: يا إخواننا، أنتم أطبّاء كبار وأنا أشترك معكم في الحديث وأنفرد وحدي بالألم، أفلا تعرفون طريقاً لإزالة هذا الصداع وإراحتي منه؟
فاهتموا وجعلوا يسألونني ويتدارسون الأمر بينهم، ويفترضون أبعد الفروض ويذكرون أمراضاً سمعت بها وأمراضاً لم أسمع بها، كأن كل واحد منهم كان يريد أن يُظهِر علمه على حسابي أنا! وانتهى الأمر بهم أن كتبوا لي دواء اتفقوا عليه وزعموا بأنه هو الذي يشفي ما بي ويُريحني من آلامي وأوصابي. فأخذت الوصفة وذهبت أفتّش عنه فلم أجده، وانقطعت عنهم أياماً، وشعرت كأن أمعائي في حاجة إلى مسهل فأخذت أحد المسهلات