وإذا هو مع صديق له يشربان القهوة ويتحدّثان ويتقارضان النكت ويضحكان! فأراد أن يثور بي أني دخلت عليه بلا إذن، ولكن غضبي والحقّ الذي كنت أراه معي قابلها بثورة أعنف منها بعشرين مرّة، فابتلعَتها وأخفَتها وجعلَت الطبيب يتضاءل ويعتذر فلا ينفعه الاعتذار، لا لقوّتي وضعفه بل لأن الحقّ معي والباطل معه. ثم خرجت على المنتظرين فقصصت عليهم ما كان وعرّفتُهم ماذا يصنع الطبيب، فخرجوا جميعاً ولم يبقَ في غرفة الانتظار أحد.
ومن الأطبّاء الذين عرفتهم مَن يفخر بكثرة المنتظرين في عيادته، يؤخّرهم عمداً ليوهم الناس أنه طبيب مقصود وأنه كثير الزبائن.
* * *
والحديث عن الأطبّاء يجرّ الحديث عن الممرّضات. وهو حديث طويل لا تكفي فيه فقرة عارضة في مثل هذه الحلقة، بل لا بدّ له من حلقة كاملة بل حلقات. أضرب مثلاً قريباً جداً: إحدى حفيداتي عَرضَت لها الولادة، ولم تكن ولادتها الأولى بل الثانية، فذهبوا بها إلى مستشفى أقامته الدولة للولادة، جعلَته بوسائله وتجهيزاته لا يقلّ عن المستشفيات العظيمة في البلاد التي نسمّيها متمدّنة ونُكبر أهلها ونعظّمهم في قرارة نفوسنا، مستشفيات أوربّا وأميركا، أنفقَت الدولة عليه وعلى أمثاله الأموال الطائلة وهي تستطيع ذلك، ووضعت فيه أحدث الوسائل وأغلاها وأعلاها وهي تستطيع ذلك، لم تدّخر جهداً ولم تقصر في إقامة المستشفى وتجهيزه، ولكن الدولة التي تقدر أن تصنع هذا كله لا تقدر أن