يكون عنده في صيدليته عشرون ألف دواء يعرفها ويعرف أسماءها ويعرف مصانعها، وربما أحاط بعناصرها التي تركّبَت منها، ولا يجوز له مع هذا أن يصف دواء. وربما استعان الناس بطالب الطب وسَمّوه في أسرته طبيباً وبينه وبين شهادة الطب سنتان أو ثلاث سنوات ورجعوا إليه وسألوه، وربما صنع معهم ما صنع مساعد الطبيب قديماً.
زعموا أن طبيباً كان له تلميذ يساعده ويصحبه ويمشي معه أينما مشى ليتعلم منه، يوم لم تكن كلّيات الطبّ قد وُجدت على شكلها الذي نعرفه الآن. فذهبا مرّة يعودان مريضاً كان قد فرض عليه الطبيب حمية منعه فيها من أكل السمك، فقال له: لماذا خالفت عن أمري وأكلت سمكة؟ فحاول المريض أن ينكر فقال له: اعترف خير لك فإنّ لدي الدليل. فاعترف بأنه أكل السمك. ولما انفرد الطبيب بمساعده سأله: من أين عرفت أنه أكل سمكاً؟ قال الطبيب: ألم ترَ حَسَك السمك مُلقى على الباب؟
وشُغل الطبيب فبعث مساعده ليرى حال المريض، فلما دخل عليه قال له: لماذا أكلت حماراً؟ قال المريض ومن أين لك أني أكلت حماراً؟ وهل يأكل الناس الحمير؟ قال: لا تُنكر، فإنني رأيت برذعة الحمار على الباب!
* * *
على أن ممّا يُسجّل للأطبّاء أن في كثير ممّن عرفت منهم نبلاً وخُلُقاً وإيثاراً وعملاً به، فمنهم من يساعد الفقراء فلا يَرزؤهم شيئاً، بل ربما أعطاهم من جيبه ثمن الدواء. وكثير من الأساتذة