للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفَلاَح شرح نور الإيضاح». هذا مثال من الكتب التي كنا نقرؤها في السنة التي تلي سنة الشهادة الابتدائية، وهو كتاب أحسب أنه لو قُرّر اليوم لطلبة الجامعة لشكَوا من صعوبته.

ولم يكُن الشيخ يقتصر في درسه على الفقه، بل كان فيه مع الفقه تفسير وحديث وقواعد أصولية يسوقها بعبارات موجزة بليغة، يلقيها ويردّدها ويكتبها بخط الثلث على اللوح (السبورة) بعرض الحَوّارة (١). وكان يتخذ لكل شيء ضابطاً، جملة موجزة تجمع الأحكام وتسهل على اللسان ولا تذهب من الأذهان. ولطالما دلّنا على كتب قرأتها وانتفعت بها، وهي رأس مالي في العلم والأدب، ولولاه ما سمعت بها.

ثم درّسنا «الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية» لقدري باشا، فكان يشرحه شرحاً عجيباً تجعل لكل حكم من أحكام الزواج والطلاق «قصّة» يؤلّفها كما يؤلّف الأديب قصصه، ويجعل لها قواعد تُحفَظ فلا تُنسى. مثالها: «لا يخلو زواج من عُقر أو عَقر»؛ أي لا بدّ من مهر في النكاح أو حد في السفاح.

ثم درّسنا السيرة فجاء بشيء ما رأيت والله ولا سمعت بمثله، يصوّر الوقائع ويصف أمكنتها، ويشرح ما قيل فيها ويدلّ على مراجعها، فكأننا كنا فيها. وكنت أستوعبها استيعاب التربة العطشى ماء المطر، وكان يدلّنا على الكتاب فأسرع إلى قراءته


(١) لا نعرف في الشام إلا اسم «الحَوّار» لما يُدعى «الطباشير»، وهي كلمة عربية لأن التحوير هو التبييض. وإن كان شيخنا المبارك يسمّيه «الحَكَك»، وهي لفظة وُلِدت ميتة!

<<  <  ج: ص:  >  >>