للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنفسكم فإنه أمضى ليلتين ونصف الثالثة لم يغمض له جفن، فلو أنكم قرعتموه بالمقارع ولذعتموه بالجمر لَما أفاق.

فحملنا أمتعتنا وسرنا من بستان الكعكي إلى حيث نجد سيارة في المسفلة، فكان موكباً عجباً؛ رجال يحملون أحمالاً بأيديهم وعلى أكتافهم، ونساء يسحبن أطفالاً وربما كان لبعضهنّ أطفال في بطونهنّ، ونحن نمشي نتمايل ذات اليمين وذات الشمال حتّى بلغنا مكّة!

* * *

أعود إلى ما كنت فيه: لقد قرأتم فيما مضى من هذه الذكريات الكلام عن مكّة لما جئتها أول مرّة سنة ١٣٥٣هـ من إحدى وخمسين سنة، وكيف كان الحرم وكيف كانت الطرق وكيف كانت أماكن المشاعر.

يا أيها الإخوان، إن الذي نراه اليوم كان حلماً من الأحلام فتحقّق الحلم. لو خطَطْنا خَطاً بيانياً لِما كنّا فيه وما انتهينا إليه لرأيناه صاعداً كما يصعد المرء الجبل، يعلو ثم يعلو، حتّى إذا كانت هذه السنون الأواخر وجاء هذا الموسم الذي نحن فيه بلغ هذا الخطّ ذروة الكمال، لو كان في طاقة البشر في الدنيا الكمال. فلله الحمد، ثم الشكر لمن كرّمه الله فجعل تحقيق هذه الأمنية على يديه.

أنا لا أريد أن أذكر كل ما صنعوه ولا أقدر أن أذكره، ولكن الله يذكره لأصحابه يجزل لهم ويزيدهم من ثوابه، ويسخّر أقلام المؤرّخين لتدوينه وكتابته. وثواب الله خير من ثناء الناس وذِكر

<<  <  ج: ص:  >  >>