للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤرّخين. أنا لا أريد هنا أن أؤرّخ لكل ما صنعوه في المشاعر لخدمة الحُجّاج، ولا أن أكتب استطلاعاً (أي ريبورتاج) أبيّن فيه بعض ذلك، ولكنه قطعة من سلسلة ذكرياتي، في هذه القطعة من الذكريات عن الحجّ حبّات إن باعد بينها الزمان فلقد قرّب بينها الموضوع.

إنّ أقدم ذكرى في نفسي من الذكريات المرتبطة بالحجّ واحدة مدفونة في أعماقها فوقها أثقال إحدى وسبعين سنة، ولكن هذه الأثقال تبدو في نظري شفّافة، ذكرى واضحة من ورائها كأنها ما تزال أمامي. كان عمري سبع سنين، وما يُنقَش على صفحة ذاكرة ابن سبع سنين لا يمحوه كرّ السنين.

كانت دمشق (كما قلت من قبل) كطائر له جسم وله جناحان، أمّا جسده فالأموي والقلعة، وما يحيط بهما، وأما جناحه فأحياء الصالحية والمهاجرين والأكراد، والجناح الثاني حيّ الميدان. وكنّا نعيش حياة جامدة راكدة ما فيها إلاّ مشاهد متشابهة، ولكن أعظم هذه المشاهد هو سفر المحمل.

والمَحْمِل بدعة ما لها أصل في الدين، ما أدري متى وُجدت: هودج على شكل هرم مربع الأضلاع يوضع على ظهر الجمل، منقوش نقشاً مزخرَفاً فيه آيات وفيه عروق بألوان مغريات، ولا يزال محفوظاً في المتحف الوطني في الشام (١).


(١) قرأت من أيام (ونحن في آخر سنة ١٩٨٥) بحثاً عن المتاحف العربية نسي كاتبه أو لم يدرِ أن أقدمها (في غير مصر) المتحف الذي أقامه محمد كرد علي في المجمع العلمي سنة ١٩١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>