للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يرد مكّةَ في موسم الحجّ المحملُ الشامي والمحمل المصري، ومع كل منهما قوّة من الجند تحميه ومقدار من المال يُغرُون به الأعراب الذين يُخشى عدوانهم على موكب الحجّ. كان ذلك قبل أن يوفّق الله عبد العزيز إلى جعل طريق الحَجّ آمناً، لا يخاف المسافر فيه ولو كان وحده. ولقد كتبت في الرسالة لمّا جئنا مكّة أول مرّة من طريق البَرّ سنة ١٣٥٣هـ (وقد مرّ خبر ذلك) أن الصحراء في عهد عبد العزيز آمَنُ من شارع الشانزليزيه في باريس. وأزيد الآن: آمن من الشارع الخامس في نيويورك. وهذا حق واقع لا مبالغة أديب.

كانت دمشق كلها تنتقل في ذلك اليوم إلى طريق الميدان، فالباعة يعرضون بضائعهم وأصحاب الألعاب يعرضون ألعابهم والمنشدون وأهل الفنون الشعبية يُبدون فنونهم ويرفعون أصواتهم بأناشيدهم، والناس يملؤون النوافذ المطلّة على هذا الشارع ويصفّون كراسيهم على جانبَيه، كل ذلك انتظاراً لمرور الموكب الذي تسبقه جماعات الفرسان والموسيقى العسكرية، ثم يأتي البيرق، وهو عَلَم ملفوف، ثم يأتي المحمل والوالي والمشير وكبار الموظفين والأعيان في عرباتهم، إذ لم تكن السيارات قد عُرفت في دمشق.

في ذهني صورة ليست كاملة ولكنها واضحة الجوانب لهذا اليوم، ولعل هذه المرّة كانت آخر مرّة يخرج فيها المحمل من دمشق، ومن شاء أن يراه فإنه موجود في المتحف الوطني فيها. كان موكب الحجّ يُمضي على الطريق أربعين يوماً في الذهاب ومثلها في الإياب، فإذا عاد الحُجّاج حملوا معهم الهدايا من

<<  <  ج: ص:  >  >>