المحاكمة، مع أن ابنة لي في مثل سنّه جاءت مرّة (مرّة واحدة) المحكمة مع أمها فنادتني وركضت لتصعد القوس، فأبكيتها وأنزلتها وأخرجتها. ولكن هذا الطفل كان متعوّداً على ذلك أيام أبيه فلم أشأ أن أكسر قلبه، وقال لي الطفل فجأة: صعي (أي صحيح) مات بابا؟
فأحسستُ كأنْ قد وقع على وجهي سوط من نار، وانعقد لساني فلم أُجِبْ. فسكت ثم قال: وين بابا؟ طَوَّلْ (أي تأخّر). إمتى بدّو يزي (يعني يجي)؟ فلم أنطق. قال ليس (يعني ليش) كل ما سألت عنه ماما بتبكي؟ الكبار يبكوا سي؟ ولم أُجِبْ، فرجع يقول: ما عاد بابا زاب (جاب) لنا سكّر. وين بابا؟
فأعطيتُه سكاكر كانت في جيبي أعددتها لأولادي فاشتغل بها، ثم أقبل عليّ ورفع وجهه إليّ وقال مهتماً: عمّو نزّلوا الدم لبابا، سفت (شفت) الدم على الدرز (الدرج). ليس (ليش) نزّلوا له الدم (١) إيس سوّى لهم (أي ماذا عمل لهم)؟ ليس (ليش) ما بحبّوا بابا؟ أنا أحبّ بابا.
وتعطّلَت الجلسة حقيقة وتحوّلَت إلى مناحة؛ النساء يبكين بصوت مسموع، والمحامون والكاتب والمحضر، وأنا، كلنا غلبَنا البكاء.
* * *
(١) تخفّى له مُغتالُه الذي استأجروه لقتله فطعنه بسكّين كان ينحر بها الإبل.