للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جرى فيها، وعن المجرمين متى يلقون جزاءَ ما جنوا؟ ولو كنت تقرأ التاريخ لعلمت أنها جريمة لم يعرف تاريخُنا جريمةً مثلها. ولقد قُتل كثير من الخلفاء والأمراء والحُكّام، ولكن لم يُقتَل قاضٍ في الإسلام اغتيالاً قبل القاضي العلواني.

فهل أدركت الآن أنها جريمة ليست كالجرائم؟

يا سيد حسن، إني لا أعرفك ولكني أظنّ ممّا سمعت عنك أن هذا كله لا يقنعك، إنه كان يقنعك لفظ واحد من الرئيس لو أنه قاله في حينه، هو أن يأمر بسجنك على هذا التعريض المكشوف بمجلس القضاء وأهله وهذه الجرأة الوقحة عليه. ولكن الرئيس كان حليماً جداً، فإياك إياك؛ فإن العرب تقول في أمثالها: اتقِ غضبة الحليم!

* * *

والكلمة الأخيرة من هذه الكلمات التي وجدتها في القصاصات هي:

رأيت اليوم وأنا على قوس المحاكمة طفلاً أشقر جميلاً صغيراً جداً يتسلّق درَج القوس، فحسبتُه ابن إحدى المتداعيات قد أطلقته يعبث في القاعة فهممت بزجره، ولكني رأيته يتقدّم مطمئناً ثابت الخُطى، حتّى أقبل فوضع خده على ظهر كفّي وجعل يتمسح بي كالقطة الأليفة. فنظرت إليه، وإذا هو ابن أخي الشهيد الذي قُتل ظلماً الشيخ عادل العلواني، فاستَعْبَرت ورقّ قلبي وامتلأت بالدمع عيناي، وتركتُه حيث وقف، وخالفت لأول مرّة من عشرين سنة مارستُ فيها القضاء نظام الجلسات وقواعد

<<  <  ج: ص:  >  >>